وتغادرين...
**
(يقول محمود درويش: ستمشين قليلا وترمين يدي للسنديان)
**
وتجلسين في المقهى كعادتك
وكعادتك شاشتك الزرقاء تفتحين
تخرج عليك قصيدتي
مع بخار قهوتك
ودخان سيجارتك التي تدخنين...
تقرئين بعضا منها
حينا...
وحينا تتوقفين...
تترشفين الكلمات في مهل
وفي مهل فنجانك تترشفين
وفي عمق...
سيجارتك تمتصين...
أكنت تتلذذين؟ ...
أم كنت تتوجعين؟ ...
وتسرحين...
وراء الدخان المتصاعد فوق رأسك
وتحلقين ...
عيناك نصف مغمضتين...
وتختزنين...
بعضا من دخان سيجارتك في صدرك
وبعضا من شعري الحزين....
وتتمتمين...
وتتذكرين...
ويعاودك الحنين...
أنك كنت مثلي ذات يوم
من الطيبين...
كنت ضفائرك مثل السنابل تربين
وبموسم الحصاد كنت تحلمين...
وكنت طول الوقت تنهرين
عن حقل قمحك الماشية
والحساسين...
وكنت تسمين مفاتنك
حقولا وبساتين...
وكنت ترقبين
عناقيد العنب وهي تنضج رويدا...رويدا...
فوق صدرك
وكنت في سرك تحتارين
كيف ستختارين من سيكون لأعنابك
أول العاصرين...
وتطاردين ذاكرتك...
خلف دخان سيجارتك
فتتدافع في رأسك السنين
وتتذكرين
انفجار ينابيعك
وتفتح أول وردة
وكيف فاح في ثنايا الصدر الياسمين...
وتذكرت قصص الحب المثيرة
التي قرأتها...
وأشعار العاشقين...
وتحرك في داخلك شيء دفين...
وكنت تظننين أنه مات...
ولكنه لا يزال كجذوة يخبو تحت رماد السنين...
لا أدري ماذا تخشين...
هل الاشتعال تخافين؟ ...
أم طعم شعري ورائحة السنين...
ولم تردي...
وفجأة أغلقت شاشتك الزرقاء
وتركت ما تبقى من قهوتك
وما تبقى من القصيدة
فوق الطاولة...
للنادل...
وابتسمت له...
من وراء وجهك الحزين...
ثم غادرت...
كنت أعرف أنك ستمشين
وستنسين ما قرأت بعد حين
لكنك يا سيدتي
ليتك تفهمين
أن ليس كل الرجال ملاعين...
**
بقلم الشاعر محمد جميل الطرابلسي
**
01 مارس 2022
**
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق