الثلاثاء، 28 نوفمبر 2023

ملامح التجديد في الشعر الجاهلي ؛؛؛ بقلم الشاعر د. فالح الكيلاني


 ملامح التجديد

في الشـــعـرالجاهـــــلي

بقلم :   فالح الكيـــــــلاني

مما لاشك فيه ان الشعر العربي  في الجاهلية كان هو الفن الوحيد - او يكاد يكون كذلك - الذي اجتمعت فيه ثقافة العرب وفيه تنامت ثقافتهم وعرفت عبقريتهم من خلاله ، وكان هو الوسيلة الإعلامية  الوحيدة بين  القبائل، ينشر أمجادها ويُشيد بأحسابها وانسابها ويسجّل للأجيال ايامهم  ومفاخرهم ، بحيث اضحت موضوعاته مرآة لحياتهم البدوية  والحضرية التي  عاشوها ، فكانت تقليديّة يتناولها جميع الشعراء على نفس النسق والأسلوب  .

الشاعرالعربي في الجاهلية يتميز بمكانته العالية المرموقة ويعتد بنفسه  حامي العشيرة ولسان حالها  في ايامها  المعروفة    .

والشعرالجاهلي الواصل الينا  شعر ذو قوة وصلابة وخيال واسع   وبلاغة عفوية ونغمات شعرية متناسقة كامل البناء اللغوي . واللغة العربية تمتاز بقواعدها وبلاغتها مما  يثبت ويدلل على انها وصلت الينا متكاملة في كل وجوهها تطفح بالنضج والاستواء والتكامل وقد حددت فترة تكاملها ونضوجها بفترة زمنية تقدر بماءتي سنة  قبل الهجرة  النبوية  ويؤيد قولي هذا الشعرالذي قيل  فيها ووصل الينا بقوته وبلاغته وتصويره الشعري لحياة البادية والقبلية  . وشاعريته البليغة وقد حدد مؤرخو الادب العربي واخص الشعر  انه قيل فيها في فترة زمنية تقدر بقرن ونصف او لا تتجاوز القرنين في كل الاحوال وهذ ه الفترة هي التي شهدت تكامل اللغة العربية وفيها نضج الشعر واستوى على سوقه،

وقال الجاحظ  عمرو بن  عثمان :

(فإذا استظهرنا  الشعر وجدنا  له، إلى أن  جاء  بالإسلام  خمسين  ومائة عام )

ان الوزن سمة قاهرة من سمات الشعر ،ولئن لم يركز الرومانسيون والرمزيون على البعد الإيقاعي  ،فإن المتأثرين بالمدارس اللسانية الحديثة يتفقون ان العنصر الإيقاعي الدال الأكبر والعنصر الاظهر من مكونات الشعر،فالنص الشعري حقيقة هو نوع من الأوزان تتولد من قاعدة اتحاد  وانسجام بين مختلف مستوياته وخاصة بين حروف اللغة وابراز ذات الصوت المتشكل من الحروف اللغوية ومخارجها اتصالها باخرى وفقا لامكانية الشاعر ومقدرته على الاتياء بالافضل ويشكل العروض الجانب الأبرز في الشعرية ،الا ان لقصيدة المعاصرة واقصد  قصيدة الشعر الحر التزمت عن بعد بحور الشعر الصافية  مع ايغالها المفرط في الزحافات عند اغلب شعرائها اوقصيدة النثر الرافضة لكل المفاهيم الشعرية القديمة والثائرة على كل الاوضاع الموروثة سائرة في خط الحاضر ا والمستقبل .

.

والشعرعلى العموم بجماليته وقوته وطموحه وأحلامه ،يبقى بماهيته شكلا ومضمونا ومنابعه الصافية محيراً للعقول ويظل جمال ماهيته شيئا  مثيراً جاذباً للنفوس وعواطفها معبرا عن خوالجها يكتسب جماليته من وظيفته الإيحائية الغامضة فنياً . صائغا ماهيته من انبثاق عالم  مكبوت في داخله ذات الشاعر الثائر وعلى هذا انبثقت جمالية هذا الفن من روحية عالية ونفسية شاعرة ملهمة .

ومن الغرابة ان يظهرالتجديد في حياة العرب اينما وجد في  الشعرالعربي  فالشعرالعربي  بالتجديد قديم … فهناك تجديد قد لا نحسن الحديث عنه  لأننا لا نعرف أصوله، ولا نكاد نحس شيئًا من تاريخه، وإنما نرى مظاهره تأتي بين حينٍ وحين في الشعر العربي الجاهلي قبل ظهور الإسلام، وهذا التجديد إنما وصل للأدب العربي عندما انتشر العرب في جاهليتهم حول الجزيرة في الشام وفي العراق، واتصلوا بالحضارة اليونانية والرومانية من ناحية والحضارة الفارسية من ناحية أخرى، ولسنا نعرف بالضبط متى كان هذا الاتصال، ولسنا  نعرف بالضبط إلى أي حد بلغ تأثير هذا الاتصال في الحياة العربية، ولكننا نعرف شيئًا  أيسره انتشار بعض الديانات التي كانت معروفة وشائعة في البلاد الأجنبية؛ كالمسيحية واليهودية … نعرف  ايضا  انتشار هذه الديانات في جزيرة العرب ونعرف كذلك انتقال بعض مظاهر الحضارة الأجنبية الفارسية واليونانية والرومانية إلى الجزيرة العربية في  العصر الجاهلي، فالعرب قد أخذوا عن الفرس كما أخذوا عن الروم أشياء كثيرة في جاهليتهم، وظهر لهذا كله صدًى في الشعر العربي القديم نراه عندما نرى الأعشى يصف الخمر، وعندما نراه ونرى غيره من الشعراء يصفون أدوات الشراب ومجالس الشراب  . يقول الاعشى :

وصهباء صرف كلون الفصو.

.. ص باكرت في الصبح سوّارها

فطورا تميــــل بنا مـــــــرّة..

. وطــــورا نعالج إمرارهــــــا

تكاد تنشــــــــّي ولما تــــذق..

. وتغشي المفاصـــــل إفتارهـــا

تدبّ لها فترة في العظـــــــام.

.. وتغشي الذوائـــب فـــوّارهــــا

تمزّزتـــها في بني قابــــــــيا...

وكنت على العـــلم مختارهـــا

فكل هذه الأشياء إنما انتقلت لهم من هذه البلاد التي اتصلوا بها والتي انتقلت إليهم بعض مظاهرها وبعض مظاهر الحضارة فيها، وانتقلت إليهم انتقالًا غير منظم؛ لظروف الحياة في ذلك الوقت  فهذا التجديد نُحِس به  وبهذا  لا نستطيع ان نحدد له تأريخًا معينا .

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

لاحظ كتابي ( ملامح التجديد في الشعرالعربي ) طبع دار المرايا - بغداد

اميرالبيـــــان العربي

د : فالح نصيف الكيـــلاني

العراق- ديالى  - بلــــــد روز

*****************************************



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق