السبت، 28 نوفمبر 2020

الوصول إلى جهنم الجزء الخامس بعنوان عرق وجهد / بقلم الكاتب قدرى المصلح


 الوصول إلى جهنم.  . . . 5

 الكاتب الروائي قدري المصلح.  

 رواية.  

 الجزء الخامس بعنوان: عرق وجهد . 

 بقيت خالتي تتحدث عن جدي وأبي،  وإلى أن وصلنا في نهاية الممر إلى غرفة مفتوح بابها قليلا يتسرب منها الضوء،  وعندما فتحتها وجدت نفسي أقف أمام مجسم خشبي لرجل يقف على عربة عليها تابوت موتى كبير ، و يبيع عليها البيض والكعك للناس على الطريق فشعرت حقا بشيء من الحزن على أبي،  إلا أننا سمعنا صوت سحر يأتي من بعيد:  

 _ لماذا يا أمي جعلت مجد يرى هذا المجسم؟  !  كلنا بائعون بيض وكعك في زماننا الذي مضى.  

 ردت خالتي عليها:  

 _ اخرسي أيتها الصغيرة،  أعرف أنك معجبة بمجد.  

 تابعت خالتي حديثها وقالت:  

 كان لي صديقة في الجامعة الأردنية تتعلم الفنون الجميلة،  وهي من صممت لي هذا المجسم،  إنه جميل جدا،  هل تتفق معي؟  ! 

 عفوا يا خالتي،  سحر قالت لي الاحترام لا يضر شيئا.  

 ضربتني خالتي على وجهي بخفة وقالت:  

 سحر معجبة بكل ما تكتبه في الصحف،  ولكني أظن أن هذا المجسم مثال جميل لفهم قضيتنا جيدا كيف جعل معلم التربية الرياضية والدك يحمل تابوتا على عربة يشتري منها الناس الطعام،  والغريب أن الناس كانت تشتري منه وتسمع له،  وثم تنقل كل حديثه لجدك. لا أنكر أن جدك كان يعجبه ذلك ، ولكني لم افهم لماذا . 

 نظرت إلى خالتي بشكل جدي وقلت لها:  

 _ لنقل أن هذا في الماضي،  والآن ما المطلوب من كل هذه القصة وهذه الأحاديث؟  

 فقالت:  

 _ ثمة عربة ثانية خلف هذه العربة،  وعليك أن تعرفها جيدا ليقال عنك محلل سياسي رائع بحق،  وعلى كل حال جعلتك أمك رغم كل شيء جهدا خاصا،  وهذا كذب،  نحن كنا نتابعكم ونشتري منها كل أطعمتها بحجة جمعيات الأطفال الفقراء،  والمساعدات للطلاب الأيتام وغيرها،  فأنت يا مجد أيضا من متابعتنا أنا وجدك وسحر،  ولا ننكر تعب أختي روان الأمجد عليك أبدا،  ولأننا نريدك لنا ولأننا تعبنا عليك،  وقد علمت أمك بكل شيء سنزوجك بسحر هذا اليوم،  وجدك أعلن موافقته على ذلك.  

 عدت إلى عمان،  تزوجت حقا ورغما عني،  ولكني لا أنكر أن سحر زوجة مناسبة لي،  وكان شرط خالتي الوحيد هو القدوم كل نهاية أسبوع للحياة مع زوجتي فهي لن ترحل إلى عمان أبدا ما دامت هي وجدي على قيد الحياة.  

 في تلك الأثناء شاهد أهل الشمال مهند عائدا إلى الشمال ليعمل من جديد على عربة يبيع عليها البيض والكعك،  

 

 النار يا أبي تصنع من الإنسان رمادا،  وعلة هذا الرماد يطير في الهواء هنا وهناك،  وأنت يا معلم التربية الرياضية هل صرت بطلا بدرجة بكالوريوس،  وتحب كل طالب أن يكون منضبطا وإلى درجة أن تتف في خلفه على بدلة رياضية ، وأنت في زمانك لا تملك ثمن قطعة حلوى ، ودفتر رسم ،   وأظن أن عارنا نحن من عشنا في مخيمات الشتات لم نفهم معنى كلمة مخيم من البداية.  

 الجرح يا جدي لا يترك دون ضماد،  والحزن لا ينسى مع الأيام،  وأمي تُحمل الآن كل الخطايا بوحدتها في العاصمة وعلى الطرق،  تُعاتب على عرق الجبين لأنكم كنتم تبتاعون منها كل البيض والكعك للفقراء ، وأعجب الآن هل صرنا نحن أغنياء من شيء كان يحق اساسا أن تأخذ منه أمي ودون كتابة قصة عن المساعدة لنا ، صورتها يا جدي تتصبب عرقا في جيبي ، وبالكاد حصلت على هذه الصورة منها ، لأنها عندما رحلت لم تكن تريد لي الحزن ابدا ، وترى هل مرت كل تلك السنين وأنتم تشاهدون مجسما خشبيا لرجل يبيع على عربة البيض والكعك،  وعليها تابوت موتى كبير؟  

 كنت خجلا يا خالتي ويا جدي أن أسأل سؤالا واحدا لعامل في قصركم،  وليتني يا جدي جلست معك،  والفقراء يا جدي لا أحد يسألهم شيئا في قصر كبير مثل قصرك،  لأن الكلمة تعني لا خبز بعد اليوم.  

 وجه أبي الآن لا يعرف الناس منه ماذا يريد،  وأمي التي رحلت يوم تخرجي لا أعرف عنها شيئا الآن،  وسحر التي تزوجتني لا أعرف كيف أعجبت بي،  والسياسة جامل،  والآداب أصمت لا تتحدث بكلمة أبدا.  

 في عمان كانت روان الامجد تدفع بعربة تبيع عليها البيض والكعك،  ويسير معها يمين العربة طفل صغير،  ويسارها طفلة صغيرة،  ولا أحد يعرف من هم،  وأطفال من،  ولكن كثيرا من أهل العاصمة كان يشاهد سيارة خمس سوداء تسير خلفها بهدوء،  وتقف بعيدا عنها قليلا كلما وقفت في مكان ما،  وفي شوارع العاصمة للمملكة الأردنية الهاشمية.  

 

 يتبع.  . . . . ٦




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق