الجمعة، 3 سبتمبر 2021

بكاء المشانق بقلم الشاعر ~ محمد الباشا


 قصة قصيرة 

العنوان/ بكاء المشانق 

*******************

كان معي في السجن ، تهمته اكبر من تهمتي ، قال لي تذكر قصتي ، غدا يتم تنفيذ حكم الأعدام في بلا ذنب ، وقفت بوجه الخداع والزيف ، رفضت الأنصياع لأهل الفساد وسرقة قوت الناس ، بأعتباري كبير المهندسين في مكتب الوزير ، جاءني يوما أحد سماسرة هذا الزمان ، يطلب مني الموافقة على أستلام مشروع وهمي ، فقال لي مساوما : 

_ أمنحك فرصة جني المزيد من الاموال ، عليك الموافقة على كلامي بلا جدال ، القبول بالعرض مطلبي فلا تقل محال ، ولا تكثر علي بالسؤال ، وإلا ستتغير الأحوال ، وتصبح ايامك صعبة والسهل سيكون عليك بعيد المنال ، ويسوء عندك الحال ، فكر بالأمر بفكر عال ، واترك الأخلاق جانبا والاقوال والأمثال ، وأعلم أن عليك الأمتثال ، وإلا سنهدم فوق رأسك الجبال ، وندد كل احلامك ونحكم ما لك من امال . 

لم تكن لدي اي نية أن ارتمي بأحضان الفاسدين ، ولا يمكن أن أكون ظهيرا للمجرمين فاجبته بعنف :

_ لم اكن يوما بغير النزاهة سعيد ، وأنا راض بما عندي ولا أريد المزيد ، لم اوافق على مشاريع بلا فكر سديد ، وأنا لا اخاف التهديد ،

ولن اكون معك إلا شديد ، ورافضا وعنيد . 

مضت الأيام وتوقف المشروع الوهمي ، مبلغه الكبير ينتظر موافقتي ، وكنت ساذجا حينما ظننت أنني أستطعت أن اوقف الطوفان ، لكنني الآن صحوت على حقيقة ، أنني أنتمي الى ساعات العدم الملغاة ، تأمروا على شذرات النقاء ، وبعد أشهر وجه إتهام لي باطل ، تزوير وتلاعب بأرقام وتغيير تصاميم ، كل ذاك كان اتهاما اوصلني الى السجن ، وأنا في السجن قاموا بتهديم أحدى المباني السكنية على اهلها ، المبنى كنت مشرفا على انشاءه ، اتهمت بالإهمال وقتل الناس لكن يا صديقي :

_ عكفت لسنوات وانا أخطط لمشروع مستقبل زاهر ، ابحرت بمجذافين متوافقتين لكن الاعصار قاهر ، كم تعبت وعملت وكنت على مشاريعي ساهر ، أخلصت بعملي ولم اكن يوما لأحد ناكر ، لكن تعاون علي أهل السوء من عشاق المظاهر ، وعبيد الدرهم فكان قرارهم علي جائر ، وأنبتوا في جسدي أقذر الأظافر .

و هو يحدثني سمعنا صوت تظاهرات خارج السجن تطالب بالأصلاح وأستئصال الفساد فاضاف لي بدمعة تتراقص بين حدقاته :

_ سيقتلوني كما قتلوا من قبلي بدم بارد وهدوء سرائر ، لكنهم سيجدون الف الف متظاهر ، وسيظهر لهم الف الف ثائر ، ستلعنهم المنابر ، ويهجيهم كل شريف كاتب كان أم شاعر ، وسيولي زمنهم الغابر ، ويعود كل مبعد وكل مهاجر ، لتعود الضحكة على الشفاه وبين المحاجر ، وهذه هي البوادر ، تبا لكل من سرق رغيف خبز وترك الأطفال جياعا والحرائر ، ستستوي مراكب الخير على ساحل المفاخر ، وتعلو رايات النقاء وتكتب الماثر .

قلت له :

_ للحق رجال لا يهابون أن مات أحدهم قتيلا ، قاوموا الظلم بصبرا جميلا ، حاربوا الفساد وما باعوا القضية بالقليلا ، لم يرضخوا للذل فاثروا الرحيلا ، أرتضوا الموت وما بدلوا تبديلا ، وسنبقى ننادي باسمائهم ونرتلها ترتيلا .

في اليوم التالي ، أعدم رفيق زنزانتي فراحت سنينه هباءا ، قتلوه فترك تأريخه الناصع ، لكن سيهزمون امام جحافل الخير الهادرة ، لتعاد كتابة قصته وقصص المظلومين من جديد باقلام نقية .


بقلمي..محمد الباشا/ العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق