( الفنـــــون الشــــــعريــــة المعـــــــــاصرة )
.
بقلم : فــالــــح الكيـــــــلا ني
,
من المعروف ان الامة العربية امة الشعر والعاطفة الانسانية ولا يزال الانسان العربي يندفع وراء عواطفه الى ابلغ الحدود ولا يندفع اي انسان اخر من الامم الاخرى مثله فهو شديد التأثر بما حوله واللغة العربية هي لغة الشعر والادب والكتابة الادبية وتكونت هكذا بطبيعتها فهي حقا ( اللغة الشاعرة )
فهي تنسجم مع تطلعات الانسان العربي وتفكيره وخوالجه وافكاره وعواطفه وهي بحق اللغة الشاعرة كما يقول الاديب المرحوم (عباس محمود العقاد) لذا ترى فيها كل ما تحتاج اليه من تعبير لتعبر به عن خوالج نفسك وربما تزدحم فيها الكلمات على الشاعر او الكاتب فيكتب ما يريد ولا يستجدي كلماتها استجداءا او يبحث عن كلمة يعبر فيها عن نفسه فاللغة العربية مثل اهلها شاعرة مطيعة طيعة الا انها كثيرة التعقيد في قواعدها وتشكيلها .
فالشاعرالعربي قمة في الخيال والخيال الشعري والتعبير عما في اعماق نفسه وما يحس به .وفي هذا العصر والذي اسميناه ( المعاصر ) بقي الشاعر العربي رغم التأثيرات التي حوله او المت به بقي لصيقا بلغته هذه الشاعرة ويغرف منها ما يشاء ويختار للتعبير عما في نفسه وما يحس به في محيطه وممجتمعه العربي وكنتيجة حتمية كان الشعرالسياسي في هذا العصر من اهم الفنون الشعرية ونستطيع ان نعرف الشعرالسياسي الشعر السياسي : هو الشعر الذي يتضمن آراء وتوجهات سياسية، مع الحفاظ على القيمة الأدبية أو الفنية.
وعادة ما يمر الشاعر من خلال شعره السياسي لمبدأ أو تكتل معين لنشر الدعاية لكل الأطراف السياسية المتصارعة، بحيث كانت السجالات الشعرية مثالاً حياً للصراعات السياسية قديما .وفي العصر الحالي ارتبط الشعر السياسي بالديموقراطية والمناداة بحرية التعبيروحرية الراي والنضال ضد الإستعمار والأنظمة الفاسدة والطاغية في أرجاء الوطن العربي كصوت مناهض للأنظمة العربية التي نسميها فاسدة. فالشاعر يتحدث في قصيدته بما حوله من احداث بلده او احداث امته العربية وما طرأت وتطرء عليها من احداث يتاثر الشاعر بها لذا كان هذا الغرض من اهم الاغراض الشعرية واقربها الى الشاعر والمتلقي ونفسيته واجزم انه لا يوجد شاعر الا وكتب فيه الكثير من القصائد الشعرية .
يقول الشاعر عبد العزيز نويرة :
تِلكَ بَغْدادٌ رَاعَهَا وَحْدَهَا
مَا رَاعَها، وَالجَبِينُ فَوْقَ الكُبُولِ
وَفلسْطِينُ هَاهُوَ العِزُّ فِيهَا
يَتَلأْلاَ مِنْ مِعْصَمٍ مَغلُولِ
أيُّهَا قَطْرَةٍ مِنَ الدَّم سَالَتْ
في جِنِينٍ فَخْر ٌ بِدُونِ مَثِيلِ
دَوَّخَتْ بَهْجَةُ الشَّهَادَةِ فِيها مَا
تَبَقَّى لَدَى العِدَى مِنْ عُقُولِ
هَذِهِ بَغْدَادٌ وَهَذِي جِنِينٌ
يَا لَهُ حَقًّا، مِنْ شمُوخِ أَصِيلِ
إنَّ بعضًا من الكَرامَةِ أَغْلَى
مِنْ جَمِيعِ البُنُوكِ والبتْرُولِ
ولم يعد المدح في العصرالحاضرعلى صورته القديمة التي رسمها الشعراء وفيها يكون الشاعر نديمًا لذوي السلطان وأنيسًا لهم في مجالسهم واقفًا شعره وولاءه عليهم بل رسم الشاعر المعاصر نموذجا حيا للبطولة واخذ يناغيها ويبثها ولاءه ومحبته وتفانيه في سبيل الوطن أي اصبح المدح للوطن بدلا من المدح الشخصي الا ماندر وصارت الأنشودة الوطنية العاشقة للوطن بديلاً جديدًا للمدح التقليدي تقول الشاعرة مباركة بنت البراء الموريتانية :
لبلادي حبي وورد خدودي
لبلادي أنشودتي وقصيدي
لبلادي صوتي الحزين مضاهر
حملات الأيام والتنكيد
غربتي غربة العرار وشوقي
دَمَوِيّ إلى رفات الجدود.
أتناسوا بأن لي زند قرم
يزرع النجم فى رحاب الوجود
أنا إعصار غضبة يتنزى
كل حين بألف ألف ولود
بقرون تفيء عصر امتداد
يعربي البذار والتسميد
كل جرح بداخلي أرفدته
من بلادي دماء كل شهيد
وفي العصر الحديث، استمر الرثاء غرضًا شعريًا مستقلاً، وبخاصة رثاء الزعماء وقادة الحركات الوطنية والإصلاحية، وهنا تصبح المراثي فرصة لتجسيد المعاني الوطنية، والسياسية والدينية، كما اصطبغ الرثاء بأصباغ فكرية،وطنية وقومبة واختلفت مناهجه على أنحاء شتى تبعًا لمذاهب الشعراء . فحب الوطن يجعل الشاعريبدأ بنفسه كجزء من المعاناة يقول الشاعرعبد الرزاق عبد الواحد الشاعر العراقي:
خوفا على قلبك المطعون من المي
ساطبق الان اوراقي على قلمي
نشرت فيك حياتي كلها علما
الان هبني يدا اطوي بها علمي
يا ما حلمت بموت فيك يحملني
به ضجيج من الانوار والظلم
فابصر الناس لا اهلي ولا لغتي
وابصر الروح فيها ثلم منثلم
اموت فيكم ولو مقطوعة رئتي
يا لائمي في العراقيين لا تلم
ولقد اختفى في العصرالحاضر الفخر القبلي،ليصبح فخرًا بالفضائل الكبرى، كما ظهر نوع جديد من ذلك الشعر السياسي ولم تعد ذات الشاعر، في مفاخره، بل اصبح القصد هو إلهاب المشاعر الوطنية في هذا الإطار .
وفي العصر الحاضر تفيض قرائح الشعراء لتردد حماسيات أصداء الشعر في أزهى عصوره خاصة في قصائد الفخر في الشجاعة والبسالة والوطنية حتى لتعد بحق شكلاً جديدًا متطورًا من شعر الحماسة اذ يحث على الاستيقاظ والتوحد والثأر للكرامة المهانة يقول الشاعر الكويتي عبد الله محمد حسن :
يا شام صبرك فالأحداث قادمة
والشعب يزأر في أصفاده جلدا
فإِن تمادى بغاث الطير في دعة
ففي غد ينجز التاريخ ما وعدا
دعى المهازيل تلهو في مباذلها
واستنطقي الشعب في الأحداث ما وجدا
لا يُضعف الحدث الدامي حميته
ولا يفل له عزمًا إِذا وردا
اما الغزل فقد بقي ولايزال فنا وغرضا قائما بذاته وينظم فيه كل الشعراء في كل انواع الشعر وملحقاته الفنية كالزجل والدوبيت والقامة وغيرها . ولم تكن المرأة الشاعرة بعيدة في قصائدها عن هؤلاء الشعراء لكنها سهلة بموافقة تبادل الرجل الحب وتظهر ضروبًا من الدلال وتكشف عن رغبة في اللقاء والتطلع إليه وتكمن فلسفة شعراء الغزل في أن الحياة غرام وعشق، ومن لا يحاول ذلك فهو حجر جامد وميت لا حياة فيه تقول الشاعرة اللبنانية منى ضيا عن نفسها انها نزارية الحرف أي متأثرة باسلوب الشاعر نزار قباني وتنسج قصائدها على منواله تقول في احدى قصائدها (حنين وانتظار):
يا قَلبي ما بي؟؟؟
أَأْكسُرُ الصَمتَ وأُعاتبُ الريحَ
أَمّْ أُجادلُ الوردَ
وَأُطاوِع الوجدَ
وأَعودُ لِذكرى ذِراعَيهِ
وَهيَ تَغْمُرُ
وَتَأمَرُ.....وتَعْصُرُ
ومِن ثُمَّ يَضُمُني القَهَرُ
أَسْهَدْتُ عُيونَ الليالي
وأَنا انتظِرُ الشُعاعْ
في تلاوينِ الصباحْ
وأَبسُطُ سِراجي على اللقاءْ
والشَوقُ لَيلٌ طَويلٌ
طويلْ
وتَبكي الافكارُ على ضِفافِ الوقتْ
إنَّهُ لا يَمُرّْ
إِنَهُ يَسْتَمِرْ
وتَهْطِلُ على عُيوني ذَرات نَومٍ مُستحيلْ
وتُداعِبُ الكَرى..
وتَقْشَعِرُ خَصَلاتِ الشَعرِ...
التى يُداعِبُها الحنينُ إلى يديكَ
وَأَتَوكَأُ على عَصا النسيانِ
على شِفاهِكَ وهي تُمطِرُني بِالحَنانِ
إِنكَ شَغَفي..
إِنَكَ ساكِني..
وَيَطيبُ لي لَذيذَ العذابْ
وَأُفَتِشُ عما يَطيبُ وما طَابْ
ويَضيعُ صَوتي فَوقَ اليَبابْ
حَبيبي أَشْتاقُكَ أُفُقا
أُحِبُكَ ماءً ثَلجا
حَتى أَني أُحِبُكَ عَرَقا
وكيف سَأَسرُدُ قُصَتي
لِلْطَيرِ..لِلْشَجَرِ...
لِلمسِ والهَمسِ
والى ما تشاءُ يا قَدَري
ويَقولُ لي إنتَظِري
إِنتَظِري....إِنتَظِري
وفي الغزل اقول :
وَلسْنا بِرامين َالقـُلوبَ لِخودَة ٍ
وَلا الخَوْدُ بالحُسْنِ البَديعِ ِ سَيسْبينا
وَلكنْ اذا ما القلبُ زادَ تَلهّفا ً
وَلا بُدّ في قَلبِ الفَتى للهوى ليْنا
سَنُبدي الى الاحْبابِ آيات ِحُبّنا
إ نْ هُمْ بِإخلاص ً وَوِدٍّ يُسَقّونا
فَإنْ صَدوا فلا نَنْسى مَواثيقَ عَهدِهِمْ
وَلا غُروَ إنّ الصَّدَّ يُحْيي أمانينا
وَإنْ هُمُ أبْدوا شُموخَا ً تَعالِيا ً
فَلا نُسْقِهِمْ الاّ بِهَجْـر ٍ مُضيفينا
فَلا نَعْر ِفُ الاكْبارَ إلاّ ِبكُبـْرِهِمْ
وَليسَتْ ثِيابُ الذلِ إشْراقُها فينا
وَنَهوى الذي يُبْدي مُوافاتِهِ لَنا
وَإنّا َلنوفي بِالهَوى مَنْ يُوافينا
هُوَ الحُبُّ نُو رٌ للنفوسِ يُنيرُها
وَخُلـقٌ مُشْـرِقٌ مِنْ تَصــافينا
وَأيْقَنْتُ أنَّ الحُبَّ يَجلي قُلوبِنا
فَإنْ ذَلـَّنا يَوماً فَلا حُبٍّ يُدانينا
سَنَبْقى إلى الاحْباب ِ مادامَ حُّبُهُم
وَلا نُصْرِمُ الاوْصال َ نُدني تَجافينا
.
لاحظ كتابي ( دراسات في الشعرالعربي ) طبع دار دجلة - عمان- الاردن
.
اميــــــر البيــــــــان العربي
د. فالح نصــــيف الكيــــــلاني
العر اق - ديالى - بلــــــــــد روز
**************************************************************************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق