يقالُ إنَّ السَّنةَ القديمةَ تلفظُ أنفاسها الأخيرةَ ..
أو تلملمُ حاجيَّاتها وتستعدُّ للرَّحيلِ ..
كانت ظهيرةً باردةً غسلت بها السَّماءُ الأرضَ وما عليها ..
عائداً من عملهِ ..
يرتجفُ منَ البردِ ..
ويتمتمُ ...
مرَّةً يندبُ حظَّهُ، ومرَّةً يتأفَّفُ منَ المهندسِ الذي أشرفَ على تعبيدِ الطَّريقِ ..
وصلَ إلى مشارفِ بيتهِ واستقبلتهُ حديقتهُ الصَّغيرةُ
بوردِها التي يحبُّ أن يسمِّيها(الأبطالُ الشُّجعانُ) لأنَّها ماتزالُ تكافحُ البردَ وقساوةَ الأجواءِ ..
لفتت نظرهُ زهرةٌ كانت متفتِّحةً البارحةَ واليومَ هيَ منكمشةٌ على ذاتها وقد أثقلتها قطراتُ المطرِ وخرَّبت هندامها الرَّائعَ.
أخرجَ جوالهُ ..
وقامَ بالتقاطِ صورةٍ لها ..
ودخلَ مسرعاً ... مطبقاً البابَ خلفهُ ..
جلسَ على الأريكةِ بعدَ وجبةِ الغداءِ قربَ المدفأةِ
وبدأَ يقلِّب الصُّورَ لكسرِ المللِ ..
فوجدَ تلكَ الصُّورةَ التي التقطها للزَّهرةِ ..
بعثها لصديقةٍ قائلاً:
-انظري على ما عثرتُ في طريقِ عودتي
أجابتهُ:
- تنطبقُ عليها تلكَ المقولةُ:"مافعلَ بكِ الحبُّ يافلانة؟!"
تفاجأَ من جوابها وقالَ لها:
أنتنَّ النِّساءُ تخلقنَ قصصاً غريبةً ..
إنَّها مجردُ زهرة ..
ههههههه .. بماذا ستجيبُ ياترى؟
- قالت لا أدري
انظر إليها خجلى تلتفُّ على نفسها وقد زادها الخجلُ فتنةً ..
تحتفظُ بقصَّتها المميَّزةِ لنفسها
ولكنَّ قطراتِ المطرِ الفضوليَّةَ بطبعها تتجمَّعُ حولها
محاولةً معرفةَ سرَّها الصَّغيرَ ..
-قلتُ لكِ لديكنَّ موهبةٌ غريبةٌ ..
تمتلكنَ غباراً سحريَّاً يضفي على الأشياءِ البسيطةِ هالةً مبهمةً شفَّافةً تشبهُ الهالةَ التي تتطفَّلُ على القمرِ وتتبعهُ حيثما ذهبَ ..
ليسَ لها من فائدةٍ ولكنها تزيدُ من رونقِ جمالهِ ...
بعثت له بعدها وجهاً مبتسماً ...
-يأسرني لونُ هذهِ الزَّهرةِ.
فأرسلَ لها وجهاً متسائلاً؟
قالت:
لأنَّها ابنةُ الغسقِ ..
هيَ آخرُ درجاتِ ألوانهِ.
صمتَ برهةً ثمَّ أردفَ قائلاً:
-أراكِ تحبِّينَ الغروبَ.
فأجابتهُ:
-إنَّهُ وقتي المفضَّلُ منَ اليومِ ..
يعني لي لحظةَ الهدوءِ الأولى ..
إغلاقُ النافذةِ على كلِّ مايؤذي ويؤلمُ.
رؤيةُ الشَّمسِ في نهايةِ الأفقِ مستسلمةً لقدرها تدعو للتَّأملِ.
أتدري للغروبِ حكايةٌ أخرى عندي؟
كنتُ أتَّبعُ طقساً يومياً يرافقُ هذهِ اللَّحظاتِ السَّماويَّةَ
كانت هوساً ... أو سمِّها ماشئت.
كنتُ أصنعُ لذلكَ المشهدِ كلَّ يومٍ حكايةً.
منظرُ الشَّمسِ وهيَ تغفو بهدوءٍ كطفلٍ أنهكهُ يومٌ طويلٌ منَ اللَّهو، والبحيرةُ تتنازعُ معَ الجبلِ احتضانَها ..
وأحياناً تكونُ أميرةً ويحدثُ صراعٌ دمويٌّ لأجلها ويتلَّونُ الأفقُ بلونٍ غريبٍ رائعٍ ..
ربَّما هيَ دماءُ المهزومَ ..
قاطعها قائلاً:
-لحظةً من فضلك ..
لقد بنيتِ مدينةً منَ الحكايا حولَ زهرتي ..
ابتسمت من مكانها وبعثت لهُ:
-زهرتكَ ولدت من دماءِ المهزومِ، شهيدِ الحبِّ الأزليِّ.
الشاهين المقيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق