دعني أساعدك
_____________________________
بحياتي مر علي مواقف وقصص مؤثرة، فقبل سنوات عديدة حدث معي إحداها..
التقيت بصديق لي، وطلب مني مرافقته لبيت عزاء، ركبت معه بعربيته، وقال:_ لقد شاركت اليوم بمراسيم جنازة لطفلة، هي جارتنا، والآن سنذهب معًا لعزاء والدها أبو سعاد.
استغربت من اسمه، فقال لي، هو جار من أطيب الناس، لم يرزق بأطفال لسنوات، والله المعطي
رزقه ببنت على كبر، اسمها سعاد، واثناء الولادة
توفيت أمها، فساعدته أخته على تربيتها حتى دخلت الروضة، أما الوالد فأخذ يقوم بدور الأب والأم بعد ذلك.
لما دخلت سعاد الصف الأول، تعب والدها صحيًا
فكانت البنت ترافقه لشراء الأغراض، ولقد أشتهر عنها أنها دومًا تقول له جملتها المشهورة:_
(دعني أساعدك..)
دعني أساعدك يا والدي في حمل كذا، دعني أساعدك في عمل كذا، كانت يده التي يحركها
وعيونه التي يرى فيها،فعندما ينزل للسوق القريب معها، كانت تشاهد دومًا وهي تمسك يده.
أصيبت الطفلة الوحيدة هذه بالسرطان، وبسرعة تفشى المرض بكل أنحاء جسدها، وتوفيت اليوم صباحًا، وحضرت مراسيم دفنها.
عندما سمعت ما قال، حزنت عليها كثيرًا، وحزنت على والدها المكلوم أكثر، تمنيت لو أنني ما التقيت مع صديقي.
وصلنا بيت العزاء، كان والدها يتلقى العزاء، وهو يجلس على الكرسي، ويظهر عليه الأسى الشديد والإنهيار التام.
دخل أحد الشيوخ المكان، وأخذ يقرأ ما تيسر له من القرآن، وبعدها قال والدها المكلوم:_
الله يرحمك ابنتي، كيف سأعيش بعدك؟
وفجأة قال يخاطب الشيخ:_اليوم بجنازة ابنتي
وأنا أحملها مع الآخرين ، شَعرت ابنتي بتعبي وأنا أرفع نعشها، فسمعتها تقول لي:_
دعني أساعدك في حمل جنازتي!
هل سمعتموها مثلي؟
خيم الصمت على الجميع، ولم يجبه أحد، ثم أردف يقول:_ألا تصدقوني!
وقفت وقلت له:_
نعم ، أنا سمعتها،بالتأكيد سمعتها.
تهللت أسارير الوالد، وقال:_
أختي قالت لي، أنك بدأت في الخرف،الحمد لله
يوجد من سمعها مثلي، ثم توجه بنظره لي
وقال:_الله يجبر بخاطرك.
قلت له وعلى مسامع الجميع:_
يا أخي الكريم، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:_
إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته:_
قبضتم ولد عبدي؟
فيقولون:_نعم.
فيقول:_ماذا قال عبدي؟
فيقولون:_حمدك واسترجع.
فيقول الله:_
ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسموه..
بيت الحمد.
أخذ الرجل يردد وبصوت مرتفع:_الحمد لله
الحمد لله.
خرجنا، وتركناه وهو يردد الجملة، ومجرد ما خرجت خارج بيت العزاء، أجهشت بالبكاء..
___
نظير راجي الحاج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق