( عندي أمل 1 )
___________________________________
أجمل هندسة في العالم،هي أن نبني جسرًا من الأمل على نهر من اليأس...
وقفتُ على ناصية الحزن أنتظر قطار الأمل
أحضر الحزن لي تابوت، وقال :_لا فائدة.. يجب أن تموت..
رحت أنظر من بعيد، ها هو صوت :_طوط.... طوط..
ها هي عربات القطار تقترب مني.
فتحت العربات.. إنها ممتلئة بحسن الظن بالله.
في القاطرة الأخيرة وجدت لافتة، كتب عليها:_
يا نظير... صبرًا على الصبر، ستصل يا صديقي لمحطتك الأخيرة لا محالة.
____
أثناء دراستي الجامعية في بيروت، وكنت أسكن مع أحد الزملاء، كان في غرفتنا خزانة خشبية متينة مصنوعة من شجر الصنوبر الثقيل،داخل هذه الخزانة يوجد ملابسنا، وفي الرف العلوي كتبنا وأقلام وأوراق، وصورًا مشكلة لنجلاء فتحي وجورجينا رزق وغسان كنفاني.
في أحد الأيام، وكنت قد تناولت فروجة مشوية عالسيخ، من مطعم أبو علي والأربعين فروج.
وأغط في نوم عميق، بعد هذه الأكلة الدسمة حتى أذكر أنني كنت في كوابيس من الأحلام.
في هذه الأثناء، قام صديقي ليلتقط قلم حبر من الرف العلوي للخزانة، ولكي لا يقطع نومي، وبدلًا من تحريك الكرسي الخشبي، ليقف عليه،ويتناول القلم، راح وسحب أعلى الخزانة، ويميلها باتجاهه، فاختل توازنه، فوقع أرضًا، ووقعت الخزانة فوقه.
قمت مذعورًا من الصوت، صدمت من المشهد حيث سمعت صراخه من تحت الخزانة.
تجمدت للحظة، ولا أدري ما القوة التي نزلت على جسدي، وكأنني شربت حليب السباع، وأصبحت أقوى من ستيف اوستن، أو شمشون الجبار، أو تقمصت شخصية الرامبو، حتى أصبحت أشجع من ربيعة بن مكدم.
وضعت يدي تحت طرف الخزانة، وقلت:_
يا رب،وأخذت الخزانة ترتفع، مثل ارتفاع الطائرة عن الأرض، وصرخت بصديقي:_
اخرج.. اخرج..
انسحب صديقي وهو مثل الصوص الممعوط.
بعد أن غابت السكرة، وجاءت الفكرة، أردت إعادة الخزانة لوضعها، عجزت أن أحركها قيد أنملة.
قلت له:_ساعدني..
عجزنا نحن الإثنين، رحنا نستعين بحارس العمارة لرفعها.
قلت بنفسي، يا إلهي.. كيف رفعت الخزانة وحدي قبل قليل، والآن بصعوبة بالغة رفعنا الثلاثة الخزانة!
كنت أيامها في بداية مرحلة النضج الثقافي، فلم أستطع الإجابة على هذا التساؤل، ولكن بقي هذا التساؤل يعشعش في الذاكرة، حتى عرفت في سنوات عمري المتأخرة أن السبب لهذا هو (صناعة الأمل) .
___
عند الخوف تحدث هناك ردود فعل فسيولوجية
في أجسادنا، حيث يبدأ الخوف بالدماغ، ثم يمتد إلى جميع أنحاء الجسم، لنحصل على استجابة
أكثر فاعلية للتعامل مع الموقف المخيف.
هذه التغيرات تؤدي إلى توسيع القصبات الهوائية
وتتسارع ضربات القلب، ويزداد التنفس، ويتدفق الدم والجلوجوز للعضلات، وتتباطأ حيوية الأعضاء غير اللازمة، للبقاء على قيد الحياة خلال الموقف المخيف، مثل الجهاز الهضمي حيث تنقبض به العضلات في كل الجسم، ومنها قاعدة الشعر بأجسادنا، مما يؤدي إلى انتصاب الشعيرات بالجسم، حتى أننا نقول:_توقف شعر بدني من الخوف، وعند الحيوانات يحدث نفس الشيء، فيظهر الفأر عند الخوف أكبر حجما، والقطة تقوس ظهرها، فتظهر كالنمر.
___
في تجربة حصلت بالخمسينات من القرن الماضي
قام أستاذ جامعي اسمهCart Richter, عالم الأحياء والوراثة في جامعة أمريكية، بتجارب على الفئران، ولكن قبل أن أخوض بالتجارب
قد يتساءل البعض:_
لماذا غالبية التجارب تكون على الفئران؟
الإجابة على هذا التساؤل يعود لأن الفئران حجمها صغير، وتتكيف بسرعة مع الأوضاع
وتتكاثر بشكل سريع، وأيضا رخيصة، لا تكلف خزينة المختبرات أموالًا باهظة.
الأهم من كل هذا أنها تتشابه مع البشر بالصفات الوراثية والسلوكية، كما أنها سهلة التشريح، ولأن عمرها قصير، فإنه يمكن قياس مرحلتها من الولادة إلى الشيخوخة عندها، ولسهولة دراسة نظمها البيولوجية التي تشبه البشر.
___
أعود للتجربة..
مجموعة من الفئران، وضع كل واحد في إناء زجاجي كبير، ممتلئ لنصفه بالماء، بحيث لا يستطيع الفأر أن يتسلق بمخالبه على الزجاج
ولا يستطيع القفز منه.
أخذ الأستاذ يراقب كم من الوقت سيسبح الفأر
محاولًا النجاة، قبل أن يستسلم للغرق.
طبعًا هناك اختلافات بين فأر وآخر، لكن كان المتوسط ( 15) دقيقة، حيث همدت الفئران بعد ذلك، واستسلمت للموت.
أخرجت الفئران، وجففت، وتركت لتستريح، ثم أعيدت الفئران مرة أخرى لنفس التجربة..
مرت الدقائق، والفئران تسبح وتحاول أن لا تغرق
15دقيقة مرت..
30....60..
2 ساعة
10 ساعة
ويستمر. العداد.!
وصل المعدل بدلًا من15دقيقة.
إلى 60ساعة، نعم 60 ساعة.
حتى أن أحد الفئران حاول البقاء للحياة لمدة 81ساعة، وهو يسبح وينتظر الأمل..
___
الخلاصة من التجربة، أن بالمحاولة الاولى، كان اليأس هو رفيق الفئران، وبالمحاولة الثانية تسلحت الفئران بالأمل، وبأن هذه الفئران كأنها كانت تستمع لأم كلثوم وهي تقول:_
ويدٍ من خلال الموج مدت لغريق...
الأمل هو أكسير الحياة، ومن رحم الألم يولد الأمل.
فالعقل يفرض قيودًا على قدرات الجسد، أو يوهمك بوجود هذه القدرات.
يقول ابن القيم..
الحزن يضعف القلب، ويوهن العزم، ويضر بالإرادة.
قال تعالى(ولا تيأسوا من روح الله،إنه لا ييأس من روح الله، إلا القوم الكافرون).
أختم بحدث تأثرت لما قرأته، هو أحد الأدباء الإنجليز نسيت اسمه، ذهب لأحد الجسور فوق نهر في بريطانيا، لينتحر ويقذف نفسه من فوق الجسر للنهر.. قبل أن يقفز، كان ينظر للمارة يتأملهم..
كتب ورقة ووضعها مكان وقوفه، ثم قفز للماء.
حين جاء البوليس، وجدوا أنه كتب على الورقة:_انتظرت طويلًا أتأمل المارة، قسمًا بالله لو أحدهم ابتسم لي،كنت سأعود أدراجي وأحتضن الحياة.
أحباب قلبي.. أعتذر عن طول المنشور.
__
نظير راجي الحاج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق