الخميس، 25 أبريل 2024

في شوارع زهرة المدائن ؛؛؛ بقلم الشاعر نظير راجي الحاج 🎀


 (    في شوارع زهرة المدائن    )

___________________________


رحت أسمع... فيروز وهي تصدح..

الآن الآن وليس غدا، أجراس العودة فلتقرع..

ثم راحت تغني.. وبصوت حزين..

وبشجن وأنين... :_

{مريت بالشوارع.. شوارع القدس العتيقة..

قدام الدكاكين..

التي بقيت بفلسطين}


ثم راحت تنادي الجموع..

أنا أشتري الضحكات والدموع..

وأستبدل الدمعة والضحكة بالشموع..

فمن يستبدل؟ ومن يبيع؟

أيها الجميع..

إنني أشتري دموع فصل الربيع..

ويومًا من حياة أهل فلسطين بديع...

وضحكات إنسان فجيع..

أنا أشتري، فمن يبيع؟


كنت يومها طفلا.. قلت لها:_أنا أبيع..

عندي ثلاث ضحكات.

كلها أحلام أمنيات..

الاولى:_يوم حلمت أن الظلم مات..

الثانية:_هو بالذات.. يوم حلمت بعودة أهل الشتات..

الثالثة:_مجموعة معجزات..

أن أرسم خارطة الوطن العربي بلا حدود على دفتر مذكراتي.

وأن أعبيء دم الشهداء في دواتي.. لأستخدمها في فرشاتي.

وأن تكون حروف الحب هي أدواتي..

يا فيروز..

كم تساوي الضحكات عندك من الليرات؟

قالت:_

ضحكة الصغير بليرة.

وضحكة الكبير بألف..

هذه هي التسعيرة..

من غير دوران ولا لف..

ولا قسمًا ولا حلف..

قلت:_

الضحك ضحك.. أنا محتار.

فلماذا إذن هناك فرقًا بالتسعيرة بين الكبار والصغار؟

أنت تخدعينني. أنا صريح.

قالت:_

أبدًا. القصة أن الضحك عند الكبار شحيح.

لم أفهم ما كانت تقصد، بعت ضحكاتي بثمن بخس من 

الليرات. بعد آن قالت:_أنا حسب العمر أشتري، فاستريح.

ثم قلت:_

وماذا عن ضحكات ودموع من كان شاب. أريد أن أستنير.

قالت:_

لقد جاوبت في أغنية لي من كلمات الأخطل الصغير..


يبكي ويضحك لا حزنا ولا فرحا..

كعاشق خط سطرا في الهوى ومحا..

قلب تمرس باللذات وهو فتى..

كبرعم لمسته الريح فانفتحا.


يا صغيري..

لم أرى عندكم ما يطلق عليه اسم(شاب).

فأنا إما أرى طفلاً، أو أرى كهلاً شعره شاب.

لقد ماتت المرحلة العمرية التي تسمى شباب.

عدت للبيت..

يا أمي. هل لديك ضحكات قديمة؟

لم أراك تضحكي منذ ولدت، كل أيامنا أليمة!

قالت:_

ماذا نفعل إن كانت كل أيامنا لئيمة.

لكن إن أردت أن تبيع..

فعندي من الدموع ينابيع..

خذ دموعي، إنها مصروفك غدا.

ستكفي مصروفك على طول المدى.

وضعتُ دموعها في كفة، وابتسامتي الأخيرة في كفة.

وقلت لفيروز:_

هل دموع الكبار، هي مثل ضحكاتهم غالية؟

قالت:_لا..

لأن دموهم  غزيرة، لهذا ليست أثمانها عالية.

لم أتكلم ببنت شفة.

منعت نفسي من البكاء، رغم سعره العالي، لأحافظ على الستر والعفة. 


سكتُّ أيضا عن بكاء ام الشهيد فعندها برميل دموع.

وعن أم الأسير، والتي لم يعد لها قلب داخل ضلوع.

وعن مريض موجوع.

وطفل بغزة من صوت القنابل مصروع.

وعن بكاء لاجيء يحلم بالرجوع..

قالت:_

أنا أشتري بالضبط.. الشيء النادر فقط.

أما من عرضه وفير، فلا أشتريه قط.


آخذ من خرافة العمر.. بكرة.

ومن آفة العهر.. طُهره..

ومن سخافة الغبي.. فكرة.

ومن مخافة العربي.. سكرة..


إنني اشتري.

أدب العاهرات..

وكذب الامهات..

ووفاء المسؤولين.

وحكمة المجانين.


يا صغيري..

حياتك سرابا ووهم.

كلها هم وغم..

قتل ودم..

اللوم علينا وليس عليك اللوم.

ها هو يخرج نورًا من غيم..

يقول:_


يا هذا الطفل الإنسان..

ضمد أشلاءك بالملح.

وأشار للأقصى. هذا باب الريان..

وانتظر الصبح.

ونصر الديان.

وامش بالعتمة العربية، فأنت الدومري، قنديلك هو الأمان.

تداوى بالصبر، اقترب الأذان.

وافرش البحر، مصباح ديوجين سيهديك للشطآن.

يا من تحمل أوزار البشرية..

عجيب. أما صبرك لان!

ستعيد للدنيا طهارتها، أنت من سيغمرها بالطوفان.

وسترد الكون كما كان.


إملأ قلبك وردًا وزهور..

وارسم قلبا ينبض بالرفض وبالنور.

وافرش دربك فلسطين.. فُلاًّ وياسمين.


تركتني فيروز وراحت تصرخ:_

عم صرخ بالشوارع.

شوارع القدس العتيقة.

خلي الغنية تصير.

عواصف وهدير.

يا صوتي ظلك طاير.

زوبع بهالضمائر.

خبرهن عاللي صاير.

بلكي بيوعى الضمير..


نظير راجي الحاج



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق