يا أيها المارون
يا أيها المارون من الكلمات العابرة
بقصيدتي
أخبروا الله بأني متعبٌ جداً من الناس لحد
الموت و مازلت
أتضرع ظلم الكون بهذا العمر و هذا الوجع
الذي يجهدني بإنكساري بحتفي
المؤجل
بندمي بإنشطاري بالأزلية بألمي و بشتاتي
بريح الزمن الذي أدمن بوجع السنين
بمر شقائي
شيءٌ ما يناديني تعال
لكن الأشياء التي تشبه اللاشيء فيه
شيء لا يشبه ما فينا
فهناك شيء من لا شيء يشوهنا بشيء
يسيء لأشياء و يقتل أشياء أخرى
من عبثية اللاشيء إلى شيء
يكرر ذاته
فيا أيها المارون من ذاكرة
الحجر
أخبروا الله بأني ذكرى النعش القديم و
ينقصني مذهب
قد تلاشت مني كل السنوات كل الدروب
مع العمر الكئيب
و قد تحجر الفجر بجدار الظلام و
إنكسر الصباح
فضاعت الشروق بين الرحيل و اللاعودة
من هناك
و كل الأشياء الحية بداخلي قد فقدت
حياتها
و ماتت فراشات أزهاري متحجرة بجفاف
الروح الأخيرة من خيبتها و ضاع
حضن إنتمائي
أخبروه إن لم تكونوا تكذبون
يا أيها المارون
حديثوه عن الوردة الذابلة عن إنحسار
الوقت برحلة النملة
عن نكسة الحنين لدرب الحنين
عن زمن البطولات الخاسرة في جسد
المتوفي
و قولوا له إنه هناك عاش غريباً و مات
غريباً و لم يحالفه الحظ ليحيا هناك
و أخبروه عن لغتي في البكاء و العذاب
عن قرب الشيطان و بعد السماء
قولوا عني عن كل ما يدور من شغب
الحياة
فكم مرةً أخرى سيودع الحياة البعيدة
و سيحمل نعشه الأخير في
الأثير
كم مرةً أخرى سيغيب عن موعد
الجنازات
و يفقد حفظ النشيد نشيد الوداع خلف
موته الأبدي
قولوا لله ذاك الغريب يجهد في معصية
و يشكو من ضجر الروح في الإنتظار على
دروب الملح المكسر المر
لا سر معه غير صور القرابين و العمر
المدمر بألف خيبة
أخبروه هذا زمانهم و ليس زمني و هذا
مكانهم و ليس مكاني
فمروا كالغرباء يا أيها المارون كما تشاؤوا
من أكفاني و أكملوا بالقصيدة لغة
وصيتي و تاريخ فنائي
قولوا
لقد مات ذاك الغريب هناك و هناك مات
هنا
فمن كان يسجد باكياً للقصيدة و حانياً
أمام الكلمات قد مات من سهوة
الآلهة
لقد فارق الحياة و هو حزيناً يائساً من
ولادة الطفل المقتول و بالموت
المؤجل
و قد علق مشنقته محتضراً بساحة الغرباء
في الهواء لسبعين سنة
فكم سنةٍ أخرى سيموت شاعرنا البريء
من الأوجاع كم سنة
كم سنةٍ أخرى سيقول لمن رحلوا خذوني
معكم للنسيان فالموت بقربكم أرحم من
الموت في البعيد
فيا أيها المارون من دم الغزالة فوق سفحنا
الاخير من هناك إلى هناك
قولوا بأغانيكم العابثية المحبطة
يا الله
هل عرفته من كان يؤرق بروحه قداسة الوجع
و يجهش بليله الطويل و يبكي
هل كنتَ موجوداً عندما بكى على العمر و
هو يشيخ كآبةً و يستغيث بك و هل
نسيت شكله الحزين
فيا أيها العابرون من أقطاب جسدي لزمن
موتي كونوا عادلين في الرحيل
أخبروا الله عن حرماني هناك و عن
أبديتي في الهلاك
أخبروه عن اللعنة و صدى الأشياء التي
ماتت فينا
عن إمرأة لذت بالفرار و هي تسرق ضوء
الحياة من نهاري
إمرأة أضرمت صفقة كبرى مع الكلب البعيد
لتنجو بنفسها بحلمها الخاسر و من
موتها بموتي
فجاءت كالشيطانة مشعوذة ماكرة مقتدرة
جائرة في السلام
كانت عابرة و قاتلة سفاحةٌ بالطعن و غادرة
أتت شيطانة ماهرة كشكل نبي
فكانت هي لعنتي في الحياة و الآخرة
فأكملت برحيلها طقوس علتي و كل
بلائي
فلا تنتظروا
يا أيها المارون عند منحدرات النسيان
لتقولوا كلام النسيان للنسيان
و قولوا لمن كانوا يأكلون من خبزنا و ينامون
فوق صدورنا لألف عام
كم كنتم حقراء و سافلين عندما استعجلتم
بموتنا و كنتم طاعنين بتلك السنين
و طولها
فقتلتم كل أيامي البريئة و بدلتم نهاري
للظلام
و بدلتم فرحي للبكاء و حكمتم عليَ بنوح
الأنين بحزن غنائي
و أخبروني يا من تباعدوا عن قصد
عن حياتي
فأين هي حياتي و بسمتي تلك بملامحي
التي كانت تشرق وجهاً من النور
و أين رفاق العمر الخائبين
أخبروا الله عن كل شيء و بما دار في
زمن الحرام
أخبروه عن الموتى و عن الطعنات
عن الخذلان و صورة القرابين و زمن
الشهوات
عن الماكرات العابرات من الروح إلى موت
الروح
و عن ملاذي الأخير في الإنكسار بمر السنوات
الباكيات برغبة التأهل لما بعد الموت
و عن جرحي القديم و الحديث عن زمن
التافهين
أخبروا الله عن نكستي الكبرى بصدمة
الحياة و عن التكالب المتكالبين
و عن طريقة الموت المبكر لزمني البسيط
و غيابي بوقت جنازتي و عن
زمن عزائي
أخبروا الله عن سواد القلوب التي صارت
تشبه الحجارة
و عن دورة الزمان بالرجس المعذب بجسدنا
و طول الهلاك
قد تعبنا و تألمنا مراراً و تكراراً و عدنا
من الموت إلى الموت خائبين
لو كنت هناك أصغر من الملاك بقليل عندما
كنت أحرس الياسمين من قبلة الفراشة
لقلت أنا من هناك
فها أنا اليوم عدت من هناك بصور الأمس
من هناك بعد ألف نكسةٍ قد دارت
تهدمني
جئت أحرس مقابر أيامي كلها بخيبتي
و مازلت
أبحث عن سبب العذاب و قدري المحتوم
بالشتات و عن سبب زمن عنائي
أخبروا الله يا أيها المارون بأني
متعبٌ بطول الركبة
تحدثوا عن الخراب و النار و لو بصمت
عن الكلام المباح بشرود القصيدة
نحو البعيد
و عن تجربة أخرى مع الموت قبل هذا
الموت
فأنصفوني و لو بقليل من صدى إنكساري
و إجعلوا السماء بجرحي تلين
فكأنني و كأنني أعيد شكل الوجع ذاته
البعيد
فكلما كتبت قصيدة جديدة أدركت
من جديد
كم واقعاً مر أنا عشته بالخسارة نادماً
و مندفعاً لفكرة الكتابة
فسيوف الذكريات بقيت تعيد بسقوطي
ذاتها القديم بألف عنوان
فأحملوني على أكتافكم يا أيها المارون
بتابوت من خشبٍ متهالك الجسد
و ودعوا بوداع النعش كل القريبين الذين
صاروا غرباء
فخذوني لما بعد النسيان بكل كتاباتي بأحزاني
و بلعنة الكلمات بيومي المنسي
خذوني من جسد الموت لسماءٍ خالية من
الوجع و صافية
رتبوا لجسدي ألف موت محقق كي يليق
بهذا العمر الإفتراضي سراب الروح
و أنثروا من وجه السماء كل النجوم الشاردة
عني و قولوا
لقد كان هنا قبل الرحيل لكنه تاه و لم يمت
كما الأخرين يموتون
فأثره مازال موجوداً بالمكان و جنازاته تشع
ألماً و مازلت تنوح و هي معلقةٌ بين
الشبهين الغريبين
كتوأمين قديمين مازالوا شردين بين زمنين
مختلفين تماماً
فتلك هي واحدة من صورتها المكسورة بجدارية
القصيدة
و القصيدة وحدها هي مورثة المعنى و التحايل
على اللاوقت
فهي وحدها تتمرس على اللغة حينما تحل
مكان الوجع اللغة
و القصيدة هي لي وحدي فهي قسمتي الوحيدة
و صاحبة القرار
فهي وحدها لا تحمل ذنب الكاتب الغريب
و لا أسم ذاك الغريب
و لا تحمل شكل الضحية و تتذكر تاريخ الوفاة
متى كان
فلا تليق بالقصيدة أن تنبح بكلام العذاب
و لا تليق بها عنوان الهزيمة
فالقيامة هي قيامتي فلا حصة للكلاب بها
بهزيمتي
و لا أولئك الخاسرين البعيدين يعلمون شيء
عن شكل الحياة
الواثقين بالموت الموحد هناك مع تلك
الروح المتعبة
الواقفين على ولادة الجنازة بعد ألف قصيدةٍ
مقتولة المعنى و الشكل الغامض
قبل كل نهاية
فيا أيها المارون من جنازاتنا من تعددنا و
إنقسامنا اللانهائي إنصرفوا مع
الراحلين
اخرجوا من يومنا الذليل المكسور
و من حزننا الكبير
اخرجوا من جلدنا
من لحمنا المر
من مرنا
من تشتتنا
من رحيلنا اللانهائي بوجع المنفى
من دهرنا
من بكائنا الطويل و إنتظارنا على درب السراب
و من دموعنا و موتنا المحجر هناك
من توحدنا بين الآلهة و بين وحشة
الليالي
بهمومنا المتسلطة حول رقابنا بحبالها
الخناقة
إنصرفوا من هزيمتنا و إعتزالنا المبكر هناك
بصورتها القديمة
اخرجوا من حياتي و أخبروا الله عن كل
طقوسنا المقلدة
و عن عذاباتنا مع الأخرين و لئم جراحاتنا
الزائدة
و قولوا لكلِ آلهة العقاب
قد تعودنا على الموت و العذاب لألف موت
فلم نعد نحيا
و لكننا لم نستطع أن نتعود بعد أن نبقى
كما كنا في الأمس معافين
من الخيبة
ثم نعود بجرح الذكريات و نشكر الحياة
مبتسمين و نقول لها
قد تعبنا و توجعنا لألف عمر و نحن لم نعد
سالمين
و لم نعد نتذكر من بقايانا شيء لنعود
ثانيةً إليك
فكل الأشياء إنتحرت مع الوقت الذي
قد مضى
إلا شكلَ الهزيمة بوجع القصيدة في
السقوط
هي ..... هذه القصيدة
ابن حنيفة العفريني
مصطفى محمد كبار ..... ٢٠٢٥/٢/٢٥
حلب سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق