الجمعة، 30 يوليو 2021

أحاديث امرأة ثائرة ورسائلها بقلم الكاتب ~ قدري المصلح ~


 يتبع....

 للكاتب الروائي قدري المصلح، الأردن.

 الرواية: أحاديث امرأة ثائرة ورسائلها.

 الجزء الثاني :

 رسالة غير قابلة للنشر

__________________

 أظنك يا قدري الآن وحيداً، وتظن بأني ظلمتكَ، 

ورحلت عنكَ برغبتي إلى عالم بعيد عن عالمكَ، وأظن وأنا أكتب كلماتي هذه بأنني أسأت إلى ظنكَ ذاته، ولكنها كلمات طالما قلتها لصاحبتي في عمان وأقواها الآن لك بأن كل الذين رحلوا سيعودون يوما.

 هذه الكلمات لم تكن تعجب أمي، وكانت أختي تتجنب التعليق عليها وتحرف وجهها عنّي كي لا أحزن ، وأما أخي ولأنني أخته الوحيدة لم يقل لي يوما بأن كلماتي غير صحيحة أبدا، وعندما رحل أبي شعرت بحزن عميق، ونسيته بعد مدة من الزمن، والآن تذكرته حقا وبكيت بحجم ما مر من عمري من السنين.

 اليوم الذي جاء نادر لتوظيفي لديه بوظيفة زوجة أخبرته بعلاقتي معكَ، وبأنني أحبك ولا أقدر على نسيانكَ، ولكنه تناسى كل شيء، وكل كلماتي، وصرت أنا أخبر أخي وأختي وأمي وأبي أن كل الذين رحلوا سيعودون يوما.

 لقد وقع قرار التعيين مع أهلي؛ فأصبحت زوجته، ولكنه أصبح سجنا كبيرا، وبالرغم من كبر حجم هذا السجن لم أجد مهجعا واحداً أستطيع فيه خلع ملابسي والجلوس عارية كي أنام وأحلم بعودة الذين رحلوا.

 لقد. حملتُ منه بابني الأول، ويا الله كيف تغير معي! صرت مثل عالم كامل أمامه، ولا عالم غيري يعيش فيه، وما أن أنجبت حتى عدت سجينة في سجنه الكبير، وصار طفلي عالمه، وأخاف أن يصبح سجينا فيه، وإلى الآن لم أجد مهجعا واحداً يتسع لي في سجنه الكبير، كي أحلم بما أريد، ولم تأتيني الأحلام، وأنا من كنت أنام بجانب أبي أحلم بأنني رئيسة وزراء يسعى كل الشعب لخدمتي والتقرب منّي، وهذا ما جعلني أسألك هذا السؤال الآن بالله عليكَ كيف لا أبقى على حلم بالذين رحلوا بأنهم سيعودون يوما من الأيام، وكلما وصلت إلى أبي الراحل بكيت بحجم ما مضى من عمري من سنين.

 سائحة في المدينة.

________________

 تعذبت كثيرا كي أحصل على إجازة من وظيفتي ، و قلت لنادر بأنني أريد شراء ملابس وبعض أغراض للبيت، فحدثني عن خادمتنا، والمحال التجارية للملابس التي يملكها ، وسيارتنا الكبيرة، وكثرة الطرق في المدينة فأصبت بالجنون لولا أن عاد لرشده قليلا.

 أحببت الجلوس في مجمع حافلات الشمال، كنت أشرب القهوة وأجلس على مقعد من مقاعد المجمع أراقب القادمين والذاهبين، وجلس شاب أمامي على المقعد المقابل لمقعدي، وعندما مر بعض الوقت نظرت إليه بالصدفة فشاهدت حركة عينه، فأحببت بأن أبكي، ولكنني قلت له:

 ((أيها الصديق لست بحاجة إلى سجن جديد، ويكفيني السجن المسجونة فيه، وأنا لا يعجبني الآن شيء إلا قبر أبي)).

 تلفظ عليّ ببعض الكلمات، ولكنني تجاهلت، فالذي وظفني بتلك الوظيفة يتلفظ عليّ بمثلها.

 بسمة.

_______

 عدت إلى بيتي، كان طفلي ينتظرني، أعجبتني بسمته، ورغم الحزن الذي فيّ، والألم الذي يتجول بكافة أجزاء جسدي، ويبشر بالقادم من جيوش العروش، والمصالح، والأزمنة المرة للذي يريد أن يربح دائما، ويتناسى ذلك الحليب الذي سار في النهدين وهو طفل من بين دم ولحم، فشب طفلا وشابا، ليزرع في رحمي طفلا جاء ليجعله سجينا فيه مثلي، وليتني انقظته بعدم ولادته، ولكنني لا أحب حرمان الذين يريدون الربح، وجزائي الوحيد الآن بسمة طفلي، ولا يعقل ألا ألعب معه وابتسم مثل رد جميل على بسمته التي نطلبها أساسا في وظيفتنا المرة ، وهو  الذي لا يتوانى عن تقديمها كلما شاهدني.

 عودة للذين رحلوا.

_______________

 إنها الروح التي لا تنسى أبدا، أظن بأن روح أبي الآن تقابلني، وكم شكوت لها استكثار الناس على الإنسان حزنه، وأحيانا جنونه، فهو إن جلس وحيداً صار مجرما لعينا خلفه سر عظيم، والناس تظن بأنها الله في علمها لكل شيء، ولا ترحم، وسمعت صوتا قويا يأتي من قبر أبي يسألني بأن أسأل الله بهذا الدعاء:

 ((اللهم لا حاجة إلا منك، ولا حكم إلا لك، فأجعل في عالما لا سجن فيه ))






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق