الأحد، 18 سبتمبر 2022

قراءة في قصيدة ( لجوء) بقلم الشاعر مصطفى الحاج حسين


 * الأديبة الناقدة الأستاذة ( غزلان شوفي ) تكتب :


          قراءة في قصيدة ( لجوء).. 


            للشاعر والأديب السوري :


              مصطفى الحاج حسين .


===========================


نحن اليوم أمام نص إبداعي من توقيع الشاعر مصطفى الحاج حسين،نص ذي حمولة كبيرة وعميقة، تفتح الباب على مصراعيه للغوص في معانيه وأفكاره.

العنوان: يتكون من كلمة واحدة، عبارة عن مصدر من الفعل الثلاثي( لجأ/ يلجأ/ لجوءً، فهو لاجئ) مما يمنح القارئ انطباعا أوليا، ومنذ الوهلة الأولى، بأن القصيدة تحتمل الغوص في بحار شتى، فقد يكون الشاعر باحثا

عن لجوء عاطفي، وجداني، أو ربما حتى سياسي، على اعتبار أن اللفظ يُستعمل في حقول دلاليه عدة؛ هذا اللجوء الذي لن تتضح معالمه إلا بالتنقل بين كلمات القصيدة، والتشبع بمعانيها، خصوصا وأن الشاعر أدرج اللفظة نكرة ،مما يضعنا في موقف الحيرة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن النص نثري، مما أتاح للشاعر التحرر من ضوابط الوزن والتفعيلة والقافية، وهذا يتماشى مع المضمون، كما سنرى لاحقا…

ينطلق الشاعر في نصه من الاعتراف بحالة الخصام والتنافر التي يعيشها مع ذاته، حالةٍ آنية، مستمرة بدليل استعمال المضارع في تصريف الافعال( يختبئ/ أتهرب/ أشيح)، ليستمر في تأكيد الحالة بتوظيف لا النافية للجنس(لا كلام/لا توافق/لا سلام) وهذا يضعنا أمام صدمة عاطفية منذ الاستهلالية، ويستمر ذا الهروب من خلال موقعة الشاعر لذاته خارج النبض( نبض قلبه؟؟؟؟؟/ هل الأمر يتعلق هنا بخيبة عاطفية، أم أن الأمر أعمق من ذلك بكثير؟؟؟؟……)

وتستمر القسوة، ومخاصمة الذات فيما يلي من الأبيات، لكن الملاحظ أن الشاعر،في معرض قصيدته انتقل إلى الزمن الماضي، وهنا حدثت خلخلة في السيرورة الزمنية، هل هي مقصودة، لتأكيد قِدم الوجع؟؟أم فلتة من فلتات القلم؟؟( هربت/ سقطت/ صار/ خانتني/ تخلت)……

قمة الوجع والاغتراب والألم تظهر في إشراك العناصر الطبيعية الكونية من أرض وسماء وغيوم في الحالة النفسيه لشاعرنا، بل إنها تآمرت عليه، وأمعنت في تعذيبه،وما انتشلته من ضياعه….. وهنا وظف الشاعر صورا راقية جدا، مع انزياحات بليغة، باستعمال المفردات والضدية فيما يُفترض بها من دور( الهواء اعتصر حنجرتي/ الندى سلبني أزهاري/ وعتم الضوء غرفتي…..)

في الجزء الأخير من القصيدة، يعود الشاعر إلى استعمال الزمن المضارع في سياقات جدا عميقة، وجدا صادمة، فقد أصبح يتوق لمفارقة الحياة، ومعانقة الموت، الذي أصبح يراه أرحم و وأدفأ من الوحدة التي تُغلف وجوده وحياته، لدرجة التخلي عن هويته، وكينونته وحقيقته، والرضا بحالة العدم التي سيتيحها له الموت حين يحوله إلى رماد…… إلى رميم، إلى استقرار ولو بالجحيم كمصير…….

وفي المجمل، يمكن القول أن الألفاظ المستعملة خدمت المعنى بشكل كبير، إلا أن تٓحدّرٓها من معجم ملفوف بالسواد، مضغوط بالتشتت والتشظي ألبس القصيدة رداء من التشاؤم، جعل القارئ ينفر في بعض المواقع، وهذا راجع لوحدة الموضوع، وعدم التنويع،… إلا أنه لا يفوتني أن أثني هنا على الشاعر كونه قام بتشكيل كثير من الكلمات كي تسهل على المتلقي القراءة، كما أنه اعتمد الجمل القصيرة ، مما جعلنا في حالة تركيز دائم مع النص، مع غياب أي لبس أو تعقيد لفظي أو معنوي….. لكن غاب عن النص ذلك الجرس الموسيقي في مجمله، رغم وجود نثرات منه في قلة من المواضع( أزهاري/ انكساري….) لكن الموسيقى تمنح الشعر حياة…….

فيما يخص الأسلوب ، فكله خبري إقرارا لحقيقة الضياع، وتأكيدا لها…….. وهنا، آخذ على الشاعر عدم تشبثه ببصيص من نور وأمل،في مجمل قصيدته، مما جعلها ناطقة بالسوداوية، موغلة في الانعزال، دون تفصيل لأسباب هذه الحالة……

وفي الختام، أشكر شاعرنا القدير على جمالية أسلوبه، وخلو لغته من الأخطاء، وابتعاده عن الحشو والإطناب، وأتمنى أن نقرأ له نصوصا على نفس المستوى من الكفاءة، لكن بمواضيع أكثر تفاؤلا، وأميل إلى الأمل والانفتاح…….


⁦⁩ غزلان شرفي

المغرب .. فاس .


***************************************


* لجوء …

شعر : مصطفى الحاج حسين .


يختبئُ وَجهِي منِّي

وأتهرَّبُ من أنفاسِي

أبتَعِدُ عن دَمِي

وأشيحُ عن قامَتِي نَظَري

لا كَلامَ مع قلبي

لا تَوافقَ مع روحي

ولا سَلامَ مع دَمعَتِي

إنِّي خارجَ نَبضِي

إنِّي وراءَ غِيَابِي

هَرَبَتْ مِنِّي خُطَايَ

وسَقَطْتُ في مستنقعِ الصَّمتِ

صارَ الكلامُ شَوكاً

وقَصيدَتي مَنفىً لِلذَاكِرَةِ

خَانَتنِي الأرضُ

وتخلَّتِ السَّماءُ عَنِّي

فَعَلى عَطَشِي تآمَرتِ الغُيومُ

وقبري باعَ جثماني للضواري

النَّارُ نَهَشَتْ بَسمَتي

الهواءُ اعتَصَرَ حنجرتي

والنَّدى سَلبَني أزهاري

وعَتَّمَ الضَّوءُ غُربتي

وصوتُ الطفولةِ نَخَرَ انكساري

أُنَادِي على مَوتٍ رَحِيمٍ

يَنتشلُ صَقيعَ وحدَتي

أستجيرُ بالعَدَمِ

أنْ يَقَبَّلَ أوراقَ اعتمادي

ويُعطيِني جِنسِيَّةً جَدِيدَةَ

اسمِي :

– رَمَادٌ

كنيتِي :

– رَمِيْمٌ

وَطَنِي :

– جَهَنَّمُ

لُغَتِي :

– الخَرَسْ *.


                 مصطفى الحاج حسين .

                        إسطنبول




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق