انْكِسارٌ.
بقلم الأديبة والشاعرة : عبير محمود أبو عيد. فلسطين - القدس.
كانا حَوْلي وَمَعي في الحَياةِ : هُما والِدايَ يَتَحَدَّثانِ مَعي عَنْ فُراقِ المُقَرَّبينَ في حَياتِهِما، ثُمَّ رَحَلا عَنْ حَياتي وَبَقيتُ وَحْدي في حالَةٍ مِنَ الحُزْنِ وَالأَلَمِ أُحاوِلُ الحِفاظَ عَلى بَقايا مَشاعِري المُحَطَّمَةِ. "والِدايَ"، عَلَّمَني رَحيلُكُما عَنْ عالَمي الحُزْنَ، وَعَلَّمَني الحُزْنُ عَلَيْكُما .. الرَّحيلَ عَنْ عالَمي.
أَصْبَحَ الحُزْنُ مِصْباحي، وَنارُ الرّيحِ في قَلْبي تَنوحُ. نُحْ أَيُّها الفُؤادُ الباكي، فَتَعْصيني الدُّموعُ. كُنْتُ أَظُنُّ أَني أَتَمَكَّنُ مِنَ العَوْدَةِ إِلى حَياتي مَرَّةً أُخرى، وَلكِنّي نَسيتُ كَيْفِيَّةَ الحَياةِ بِطَريقَةٍ طَبيعِيَّةٍ دونَ الحُزْنِ. مَليءٌ هذا الوُجودُ، مَليءٌ بِالأَحْلامِ البَعيدَةِ وَالمَنْسِيَّةِ، مَليءٌ بِالمَواعيدِ المَخْذولَةِ وَاللَّيالي، مَليءٌ يِالحُزْنِ وَالوَحْدَةِ.
أَصْعَبُ أَنْواعِ الحُزْنِ هُوَ الَّذي لا نَسْتَطيعُ التَّعبيرَ عَنْهُ بِالكَلِماتِ، وَنَكْتَفي بِقَوْلِ : "أَشْعُرُ بِالأَلَمِ وَلا أَعْلَمُ سَبَبَ ذلِكَ"، وَنَحْنُ عَلى عِلْمٍ تامٍّ وَيَقينٍ بِما يَحْزُنُنا وَيَزيدُ مِنْ شُعورِنا بِالانْكِسارِ. وَعِنْدَما نَنْطِقُ بِكَلامٍ عَنِ الأَلَمِ يَكونُ بِداخِلِنا حُزْنٌ وَانْكِسارٌ عَميقٌ في ذلِكَ الوَقْتِ. أَصْبَحْتُ أُمارِسُ الفَرَحَ بِشَكْلٍ مُخْتَصَرٍ جِدًّا، أَمّا الحُزْنُ فَمَواسِمُهُ كامِلَةٌ لا تَقِبَلُ القِسْمَةِ وَلا التَّجْزِئَةِ.
أُريدُ قَلْبًا قاسِيًا لا يَغْفِرُ؛ لِأَنَّ قَلْبِيَ الحَنونَ الطَّيِّبَ هذا لا يَجْلِبُ لي إِلّا الحُزْنَ وَالأَلَمَ. أَسيرُ في هذِهِ الحَياةِ وَحيدَةً مَوْجوعَةً؛ فَالحُزْنُ يُرافِقُني وَالفَرَحُ يَهْجُرُني وَجُرْحُ الفُؤادِ يَعْتَصِرُني وَكَلامُهُمْ يُتْعِبُني. لَقَدْ تَعِبْتُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ حَتّى دَقّاتُ قَلْبي تُؤْلِمُني. إِنَّ الوَجَعَ لا يَحْتاجُ إِلى حَديثٍ طَويلٍ، أَحْيانًا تَكونُ نَبْرَةُ الصَّوْتِ نِصْفُ الكَلامِ.
وَقَبْلَ أَنْ تولَدَ الفيزياءُ بِكَثيرٍ، كانَ الأَلَمُ يُفَتِّتُ المادَّةَ، وَقَبْلَ عِلْمِ النَّفسِ بِكَثيرٍ، كانَ الحُزْنُ يُفَتِّتُ الرّوحَ. كَمْ أُحِبُّ الجُلوسَ مَعَ نَفسي، أُعاتِبُها وَأَشكو لَها ضَعْفي. أُثَرْثِرُ لَها؛ كَيْ أُخْرِجَ كُلَّ ما في داخِلي مِنْ حُزْنٍ وَأَلَمٍ، فَأَنا فَقَطْ مَنْ يَفْهَمُني.
أَشْتَهي النَّوْمَ أَلْفَ سَنَةٍ، لَسْتُ مُتْعَبَةً وَلكِنْ بِقَلْبي غَصَّةٌ قَتَلَتْ رَغْبَتي في الحَياةِ. أَصْبَحْتُ أُحِبُّ الصَّمْتَ، لا أَعْلَمُ هَلْ ماتَتْ كَلِماتي أَمْ مِتُّ أَنا. نُخْفي حُزْنًا وَوَجَعًا وَدُموعًا أَحْيانًا خَلْفَ عِبارَةِ (أَنا بِخَيْرٍ). تَبًّا لِعِزَّةِ النَّفْسِ وَسُحْقًا لِواقِعٍ لا يوجَدُ بِهِ احْتِواءٌ صادِقٌ. مُؤْلِمَةٌ تِلْكَ الدَّمْعَةُ الّتي تَسْقُطُ، وَأَنْتَ صامِتٌ، تَسْقُطُ مِنْ شِدَّةِ القَهْرِ وَالأَلَمِ. أَحلامي بَسيطَةٌ، فَقَطْ أَنْ يَنْتَهي يَوْمي بِدونِ وَجَعٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق